سورة الكهف - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الكهف)


        


{وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَئ} لأجل شيء تعزم عليه {إِنّى فَاعِلٌ ذلك} الشيء {غَداً} أي فيما يستقبل من الزمان ولم يرد الغد خاصة {إِلاَّ أَن يَشَاء الله} أن تقوله بأن يأذن ذلك لك فيه، أو ولا تقولنه إلا بأن يشاء الله أي إلا بمشيئته، وهو في موضع الحال أي إلا ملتبساً بمشيئة الله قائلاً إن شاء الله. وقال الزجاج: معناه: ولا تقولن إني أفعل ذلك إلا بمشيئة الله تعالى، لأن قول القائل (أنا أفعل ذلك إن شاء الله) معناه: لا أفعله إلا بمشيئة الله، وهذا نهي تأديب من الله لنبيه حين قالت اليهود لقريش: سلوه عن الروح وعن أصحاب الكهف وذي القرنين فسألوه فقال: ائتوني غداً أخبركم ولم يستثن فأبطأ عليه الوحي حتى شق عليه {واذكر رَّبَّكَ} أي مشيئة ربك وقل إن شاء الله {إِذَا نَسِيتَ} إذا فرط منك نسيان لذلك، والمعنى إذا نسيت كلمة الاستثناء ثم تنبهت عليها فتداركها بالذكر، عن الحسن: مادام في مجلس الذكر. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ولو بعد سنة. وهذا محمول على تدارك التبرك بالاستثناء، فأما الاستثناء المغير حكماً فلا يصح إلا متصلاً، وحُكي أنه بلغ المنصور أن أبا حنيفة رحمه الله خالف ابن عباس رضي الله عنهما في الاستثناء المنفصل فاستحضره لينكر عليه فقال له أبو حنيفة: هذا يرجع عليك إنك تأخذ البيعة بالأيمان أفترضى أن يخرجوا من عندك فيستثنوا فيخرجوا عليك؟ فاستحسن كلامه وأمر الطاعن فيه بإخراجه من عنده. أو معناه واذكر ربك بالتسبيح والاستغفار إذا نسيت كلمة الاستثناء تشديداً في البعث على الاهتمام بها، أو صل صلاة نسيتها إذا ذكرتها، أو إذا نسيت شيئاً فاذكره ليذكرك المنسي {وَقُلْ عسى أَن يَهْدِيَنِى رَبّى لأَِقْرَبَ مِنْ هذا رَشَدًا} يعني إذا نسيت شيئاً فاذكر ربك، وذكر ربك عند نسيانه أن تقول: عسى ربي أن يهديني لشيء آخر بدل هذا المنسي أقرب منه رشداً وأدنى خيراً ومنفعه. {أن يهدين}، {إن ترن}، {أن يؤتين}، {أن تعلمن}. مكى في الحالين، ووافقه أبو عمرو ومدني في الوصل.


{وَلَبِثُواْ فِى كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِاْئَةِ سِنِينَ} يريد لبثهم فيه أحياء مضروباً على آذانهم هذه المدة وهو بيان لما أجمل في قوله: {فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عدداً} وسنين عطف بيان لثلثمائة. ثلثمائة سنين بالإضافة: حمزة وعليّ، على وضع الجمع موضع الواحد في التمييز كقوله {بالأخسرين أعمالاً} [الكهف: 103] {وازدادوا تِسْعًا} أي تسع سنين لدلالة ما قبله عليه {تسعاً} مفعول به لأن (زاد) تقتضي مفعولين ف (ازداد) يقتضي مفعولاً واحداً {قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ} أي هو أعلم من الذين اختلفوا فيهم بمدة لبثهم والحق ما أخبرك به، أو هو حكاية لكلام أهل الكتاب و{قل الله أعلم} رد عليهم، والجمهور على أن هذا إخبار من الله سبحانه وتعالى أنهم لبثوا في كهفهم كذا مدة {لَهُ غَيْبُ السماوات والأرض} ذكر اختصاصه بعلم ما غاب في السماوات والأرض وخفي فيها من أحوال أهلها {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} أي وأسمع به والمعنى ما أبصره بكل موجود وما أسمعه لكل مسموع {مَالَهُم} لأهل السموات والأرض {مّن دُونِهِ مِن وَلِىّ} من متول لأمورهم {وَلاَ يُشْرِكُ فِى حُكْمِهِ} في قضائه {أَحَدًا} منهم، ولا تشرك على النهي: شامي. كانوا يقولون له ائت بقرآن غير هذا أو بدله فقيل له: {واتل مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِن كتاب رَبّكَ} أي من القرآن ولا تسمع لما يهذون به من طلب التبديل فإنه {لاَ مُبَدّلَ لكلماته} أي لا يقدر أحد على تبديلها أو تغييرها إنما يقدر على ذلك هو وحده {وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا} ملتجأ تعدل إليه إن هممت بذلك. ولما قال قوم من رؤساء الكفرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: نحِّ هؤلاء الموالي وهم صهيب وعمار وخباب وسلمان وغيرهم من فقراء المسلمين حتى نجالسك نزل:


{واصبر نَفْسَكَ مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم} واحبسها معهم وثبتها {بالغداة والعشى} دائبين على الدعاء في كل وقت، أو بالغداة لطلب التوفيق والتيسير، والعشي لطلب عفو التقصير، أوهما صلاة الفجر والعصر. {بالغُدوة} شامي {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} رضا الله {وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} ولا تجاوز، عداه إذا جاوزه وعدى ب (عن) لتضمن (عدا) معنى (نبا) في قولك (نبت عنه عينه)، وفائدة التضمين إعطاء مجموع معنيين وذلك أقوى من إعطاء معنى قد {تُرِيدُ زِينَةَ الحياة الدنيا} في موضع الحال {وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا} من جعلنا قلبه غافلاً عن الذكر وهو دليل لنا على أنه تعالى خالق أفعال العباد {واتبع هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} مجاوزاً عن الحق {وَقُلِ الحق مِن رَّبّكُمْ} أي الإسلام أو القرآن، و{الحق} خبر مبتدأ محذوف أي هو {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} أي جاء الحق وزاحت العلل فلم يبق إلا اختياركم لأنفسكم ما شئتم من الأخذ في طريق النجاة أو في طريق الهلاك. وجيء بلفظ الأمر والتخيير لأنه لما مكن من اختيار أيهما شاء فكأنه مخير مأمور بأن يتخير ماشاء من النجدين. ثم ذكر جزاء من اختار الكفر فقال: {إِنَّا أَعْتَدْنَا} هيأنا {للظالمين} للكافرين فقيد بالسياق كما تركت حقيقة الأمر والتخيير بالسياق وهو قوله {إنا أعتدنا للظالمين} {نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} شبه ما يحيط بهم من النار بالسرادق وهي الحجرة التي تكون حول الفسطاط، أو هو دخان يحيط بالكفار قبل دخولهم النار، أو هو حائط من نار يطيف بهم {وَإِن يَسْتَغِيثُواْ} من العطش {يُغَاثُواْ بِمَاء كالمهل} هو دردى الزيت أو ما أذيب من جواهر الأرض وفيه تهكم بهم {يَشْوِى الوجوه} إذا قدم ليشرب انشوى الوجوه من حرارته {بِئْسَ الشراب} ذلك {وَسَاءتْ} النار {مُرْتَفَقًا} متكأ من الرفق وهذه لمشاكلة قوله: {وحسنت مرتفقا} وإلا فلا ارتفاق لأهل النار.
وبين جزاء من اختار الإيمان فقال:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8